الفصل الرابع: شهادات واقعية

دأبت الدوائر الاستعمارية طوال ما يزيد على خمسين عاماً من عمر الثورة الاشتراكية فى الاتحاد السوفييتى، على ترديد الأكاذيب التى لا سند لها عن أحوال المؤمنين تحت الحكم الاشتراكى مدعية ومرددة الادعاء مئات المرات وألوفها أنه لا يصرح باعتناق العقائد، وأن لا مجال لمؤمن بأى عقيدة أن يؤدى فرائضها، بل أنه يتعرض فى هذا إلى الإيذاء، وأن الثورة قد أزالت كل الآثار الدينية من البلاد، وحرمت على المؤمنين من أى عقيدة كانوا أن يؤموها، إلى آخر العديد الذى لا يحصى من الترهات والإفتراءات.
ولكنه كان أمراً ملحوظاً دائماً أن الدوائر الاستعمارية دأبت على نشر هذه الأكاذيب ليس فى بلادها هى، إن كانت حقاً حريصة على الأديان والعادات بل وجهت كل هذه السموم تنفثها فى البلاد التى تخضع لاستثمارها واستغلالها، ولعلنا فى البلاد العربية والإسلامية نذكر تفاصيل تلك الحملات المسعورة، والهجمات المحمومة على الاتحاد السوفييتى واضطهاده للإسلام والمسلمين، حتى كادوا من فرط ما يؤلفون ويكتبون وينشرون، وقد صاروا أكثر إسلاماً منا نحن المسلمين وأكثر حرصاً على الدين الحنيف من المؤمنين به.
وتكرر الصورة من جانب الاستعمار فى البلاد التى ابتليت به، ليكشف فى الحقيقة عن نواياه الخبيثة بأن يتجح فى دق أسفين قوى بين البلاد الاشتراكية ودعوتها إلى الحق والمساواة والأخوة والمحبة بين الناس ومعاداة الاستعمار بهدف القضاء عليه، وبيننا نحن الشعوب التى عاش الكثير منها ومازال يعيش البعض حتى اليوم نهيأ لاستغلال ثرواته والعبث بمقدراته، وتسخير أبنائه لصالح حفنة من الرأسماليين تريد أن تحتكر ثروات العالم وجمهور البشر لصالحها ولرغباتها الذاتية ومعيشها الطفيلية، لقد كانت تلك الادعاءات وتكرارها، والافتراءات وتأكيدها بمثابة الستار الحديدى الفعلى الذى فرضه الاستعمار عشرات السنين بين القوى المعادية له لأنه يخشى إتحادها ففى ذلك الاتحاد القضاء عليه ونهايته.
ولم تقتصر الإشاعات على ما يمكن أن يكون -بعد التكرار على طريقة جوبلز- فى حدود المقبول، بل تعداه إلى ما لا يمكن عقلا أو عقيدة أو إنسانياً أن يستقر فى ضمير إنسان، ولقد أهاجت تلك الافتراءات صدور بعض الحجاج السوفييت حين التقوا بأخوانهم فى مناسبة الحج إذ تقص مجموعة منهم حين عادت إلى بلادها على إخوانهم فى العقيدة أن حجاجاً من بلاد أخرى سألوهم "هل هناك حقاً مسلمون فى الاتحاد السوفيتى؟ أليست العبادة ممنوعة؟ أما زال هناك أى مسجد قائم فى آسيا الوسطى؟ بل أن أحد الحجاج مال على أحدهم وهمس فى إذنه مستفسراً عما إذا كان ما سمعه من أن من يصل إلى سن الستين فى الاتحاد السوفييتى يذبح ولا يسمح له حتى بالحياة؟ وغيرها وغيرها من الأسئلة التى كانت بدورها تثير صدور الحجاج منهم، وهم أصحاب ذلك التاريخ العريق فى الدعوة والعلوم الإسلامية، وذوو التراث فى الفكر الإسلامى والآثار الإسلامية، الذى لا يضارعهم فيه العديد من بلاد إسلامية أخرى.
وما أنتهت الحرب العالمية الثانية، وشاهد العالم ومن بينه الدول المستعمرة الدور البطولى الأساسى الذى لعبته شعوب الاتحاد السوفييتى فى هزيمة جحافل النازية والقضاء على الفاشستية، حتى فوجئوا أن بلاداً فيها تلك الأوصاف التى لم تسمع من قبل فى التاريخ تستطيع أن تقود حرباً وطنية يثبت فيها الشعب رغم كل النكسات فى أولها تماسكه وتمسكه بنظامه الاجتماعى، وإستعداده للبذل والتضحية فى سبيله حتى يتحقق له على المعتدين النصر، كان ذلك مفاجأة جعلت الكثيرين من أبناء تلك الدول يتجهون نحو بلد الاشتراكية الأول، يستزيدون عنه معرفة وإطلاعاً، وتوالت البعثات من زوار أو طلاب علم أو راغبى تجارة يروا بأنفسهم ويشاهدوا ليعودوا إلى بلادهم بمحصول جديد من المعرفة عن الاشتراكية كنظام إجتماعى داخلى وكسياسة من الإخاء والمحبة مع كل الشعوب وكرغبة فى السلام كالوسيلة الأساسية لتقيم الجماهير حياة تليق بينى الإنسان تعود جهودهم إليهم لا يمتها إستغلالى مستبد أو حرب ضروس.
وكانت النتيجة نجاحاً ساحقاً للاشتراكية على مستوى العالم بحيث صارت أغلبيته اليوم مؤمنة بها، إما تعيش فى كنفها، أو ساعية -رغم كل حروب المستعمرين وسعارهم الشديد- إلى الأخذ بها.
ولم تكن تلك العلاقات التى تولدت بين الاتحاد السوفييتى وغيره من شعوب العالم بحيث تعرض للفحص نظامه الاجتماعى فحسب، بل تعدت ذلك إلى كل ظواهر الحياة فيه من ثقافة وفن ورياضة وأدب وعلاقات إنسانية وإجتماعية وأسرية، وفوق ذلك كله موقف العقيدة من النظام، والنظام من العقيدة.
ووجد المسلمون فى الاتحاد السوفييتى أن من واجبهم كذلك وقد أهاجت مشاعرهم تلك الأكاذيب التى تقال فى حقهم أن عليهم واجباً فى التعريف بأنفسهم، فبدأت بصورة حثيثة بعثاتهم إلى الجح تجعله واجباً لها أن تتعرف على أوسع الدوائر من إخوانهم المسلمين فى تلك المناسبة الدينية، وأن يزوروا بلاداً أخرى سواء فى غدوهم أو عند عودتهم، ولكن جاء الجهد الأكثر تركيزاً عندما قررت المجالس الإسلامية فى الاتحاد السوفييتى من خلال مجلسها الأعلى تكوين قسم للعلاقات الخارجية يكون عمله إحداث صلة ائمة ومستمرة مع تجمعات المسلمين ومراكزهم الدينية فى مختلف البلاد، والاشتراك فى المؤتمرات الإسلامية التى تعقد فى جميع بلاد المعمورة، والدعوة إلى مؤتمرات ممائلة عندهم، وتبادل الرسائل والدراسات الدينية وكتب التراث ومخطوطاته مع مختلف مراكز البحث الإسلامى فى العالم، وعديد غيرها من الأعمال التى استهدفت اقتراب قلوب وعقول المؤمنين مع بعضهم البعض.
وقد أثمرت هذه السياسة الجديدة النشطة فصار للمنظمات الأسلامية فى الاتحاد السوفييتى علاقات بمثيلاتها فى أكثر من أربعين قطر، وتعددت الزيارات لمناطق المسلمين، فقد استقبل المجلس الإسلامى لآسيا الوسطى وكازاخستان خلال عام 1968 مائتين من الوفود من بلاد مختلفة بلغ عدد أعضائها 2790 عضواً، وكان من بينها خمس وفود حكومية يرأسها رؤساء حكومات، 39 مجموعة من الشخصيات العامة، 10 مجموعات من الصحفيين ورجال السياسة، ذلك عدا 150 سائحاً.
ويضاف إلى ذلك أن ذلك أن تزايد علاقات الاتحاد السوفييتى مع مختلف البلدان، وارتفاع عدد طلبة البلاد المختلفة الذين يدرسون به قد جعل المساجد -وهى مكان اللقاء الطبيعى بين المسلمين- تعج فى عديد من الأوقات بأبناء الجاليات الأجنبية الذين يفدون إليها للصلاة ويختلطون عندئذ بأخوانهم المؤمنين السوفييت، ويتعارفون عليهم ويتذاكرون أمور دينهم، وقد أدت تلك الزيادة فى أعداد المسلمين الأجانب إلى إثارة الاهتمام، فقام مسجد ليننجراد الكبير بحصر لعدد المترددين عليه منهم، فوجد أن العدد قد وصل فى عام 1969 إلى 6000 مصلياً من المارين بالبلاد أو المقيمين لمدد محددة، ذلك عدا عشرات من الطلبة من الجزائر والمغرب والسودان، وجمهورية مصر العربية وغيرها من البلاد الإسلامية الذين بحكم إقامتهم للدراسة يؤمون المسجد فى كل أيام الجمعة للصلاة.
وقد أثمرت العلاقات التى أنشئت والزيارات متى تمت فى تكوين المعرفة الصحيحة بأحوال المسلمين خاصة وقد تعددت الشهادة بذلك من شخصيات لها مكانتها المرموقة بين المسلمين فى أركان الأرض، ولا يمكن أن يحاج الاستعمار بعد شهادة هؤلاء فى شئ، وبدأ الضباب ينقشع، وتعود سماء المسلمين إلى صفائها، هداية وطمأنينة.
فالإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور محمد محمد الفحام بعد زيارته للاتحاد السوفييتى على رأس وفد من أفاضل العلماء بجامعة الأزهر يصرح لوكالة نوقوسى للأنباء قائلاً: "لقد سررنا لدى معرفتنا بعد وجود أية عوائق فى وجه أداء الفروض والشعائر الأسلامية فى الاتحاد السوفييتى، ولم أكن أعرف قبل زيارتى إلى الاتحاد السوفييتى أن المساجد موجودة فى كافة المدن الكبرى، وكان ذلك مبعث دهشتى وبهجتى إلى حد كبير، لقد أديت الصلاة سوياً مع إخوانى من المسلمين المؤمنين، واستمعوا إلى موعظتى بقلوب واعية وآذان صاغية، وتحدث المسلمون والسوفييت إلى ذاكرين بأنهم أحرار فى ديانتهم يؤدون بكل حرية واجبهم أمام العلى القدير ويقيمون ما أمرهم به ولا توضع أمامهم أى عرقلة أو عقبة ولا يتعرضون لأى ضغط أو كبت، وأنا أقول من صميم القلب وخالص الفؤاد إنى كنت بمعرفة ذلك فرح مغتيط، وعندما زرنا بعض الكولخوزات فى آسيا الوسطى، علمنا أن الكولخوزينين المسلمين يعملون فيها إخواناً متعاونين يساعد بعضهم البعض، ويدفع لهم الأجر العالى لقاء جهودهم، وهم يعيشون فى سعادة ورغد ميسور".
ويضيف فضيلته فى حديث له إلى مجلة "روزاليوسف" قوله "إن المسلمين هنا (يعنى الاتحاد السوفييتى) يتمتعون بحرية كاملة ويستقلون بشئونهم الدينية، كما يؤدون كل الشعائر الإسلامية، ويسافر المسلمون من الاتحاد السوفييتى للحج سنوياً، كما كنت أسمع كل صباح صوت المؤذن يؤذن للصلاة".
ولعل حديث الإمام الأكبر فى هذا يكون القول الفصل، وإذا كنا فيما يلى نضيف بتصريحات أخرى من أثمة أفاضل لهم صفاتهم الدينية المرموقة، فما ذلك إلا بمثابة دعوة للمؤمنين إلى الاهتداء بأقوال هذا النفر الصالح من رجال المسلمين حتى لا تبقى فى أسماعهم أو قلوبهم أى أثر الحديث المستعمرين أعداء الشعوب.
فسماحة الشيخ محمد قفطارة مفتى الديار السورية يصرح هو الآخر للصحفيين قائلاً "لقد اقتنعت مرة أخرى وأنا هنا، أن المسلمين فى الاتحاد السوفييتى يتمتعون بحرية كاملة فى عقيدتهم الدينية".
ويرد محمد على ديفا أحد كبار رجال الإسلام فى الكاميرون على الأستعمار وأعوانه حين يتحدث فى حقل عشاء أقيم له وللوفد المرافق له فى مدينة أوفا بجمهورية بشكيريا الشتراكية السوفييتية فيقول "لقد قيل لنا أن الدين محرم فى هذه البلاد، وذلك ما ظهر أنه الكذب بعينه، فحيثما ذهب المشتركون فى هذا المؤتمر فى الاتحاد السوفييتى -فى طشقندا، أو سمرقند أو بخارى أو أوفا-  شاهدوا التقدم العظيم الذى حققه المسلمون فى كل ميادين الاقتصاد والثقافة، لقد رأينا أعداداً غفيرة من المسلمين يقيمون الصلاة فى المساجد، وقد صلينا معهم، لقد رأينا مكتبات كبرى للعلوم الإسلامية، لقد قوبلنا بحرارة أخوية، الأمر الذى حرك كثيراً مشاعرنا".
اما الحاج على الولكودى إمام وخطيب الجامع الأكبر فى لاجوس عاصمة نيجيريا فيضيف نفس المعانى تقريباً قائلاً "زعمت الدعاية الغربية أن المسلمين يعذبون فى الاتحاد السوفييتى، وأنه لا حقوق للمؤمنين فيه، ويعتقد الكثيرون ذلك، ومع أن تلك هى زيارتى الأولى للاتحاد السوفييتى إلا أنى استطعت أن أرى وأن أعرف حقائق كثيرة، أن مساجدكم تعمل فى حرية وهناك علماء مشهورون ولا يضطهدهم أحد، عندما أعود إلى بلادى سوف أروى للجميع عن الحياة السعيدة التى يتمتع بها المسلمون فى بلادكم وعن الصلوات التى اشتركنا فيها". وبحكم وضع الدكتور الحاج بدوى الدين محمود كرئيس للجبهة الإسلامية فى سيلان لا يقتصر فى تعليقه على الجوانب الروحية لمسلمى الاتحاد السوفييتى بليتطرق إلى حياتهم الاقتصادية والاجتماعية فنجده فى حديث مع شيخ الإسلام على خوجة سليمان زادة يقول "إنى كرئيس للجبهة الإشتراكية الإسلامية فى سيلان كنت بالطبع شديد الاهتمام لأن أرى حياة المؤمنين، ولقد وجدت أدلة على التقدم العظيم الذى حققه الشعب السوفييتى منذ ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى سنة 1917، لقد انتعشت كثيراً الجمهوريات السوفييتية الإسلامية مثل أذربيخان وأوزبكستان، ويجب أن يؤكد أن هذه الجمهوريات قد أنتقلت من تخلف القرون لتصبح مناطق متطورة صناعياً خلال حقبة قصيرة ما بين 40 ، 50 عاماً.
لقد شاهدت بنفسى أنه لا ضغط على الدين فى الاتحاد السوفييتى ووجدت أن الحكومة السوفييتية لا تعوق كما لا تدفع إلى الإيمان بالإسلام.
وإنى لأجد فى الاتحاد السوفييتى أكثر من أى بلد آخر أن مثاليات الإسلام ومبادئه من المساواة والأخوة وعدم الاضطهاد على أساس الجنس أو القومية، واحترام كل أنواع العمل، إلى آخره توضع فى التطبيق".
ولا تظننا فى حاجة إلى شهادات أخرى من ناحية حرية العقيدة، ومدى احترامها بل وتصدى النظام بحكم القوانين لأى فرد أو مجموعة تعتدى على عقيدة أى فرد أو مجموعة أخرى، أو تحاول أن تكسب لنفسها باسم ديمها أى وضع خاص، لقد شهد بذلك العشرات من المسلمين الأفاضل عدا من ذكرناهم، شهد بها إمام جامبيا الحاج محمد لامين باه الذى قال بعد جولة فى لنينجراد وموسكو وأوزبكستان أنه "عندما تلقينا الدعوة لزيارة الاتحاد السوفييتى حاول البعض أن يثنونا عن تلبيتها وأن يخيفونا قائلين بأن الإسلام قد تم محوه منذ وقت طويل وأنه لم يعد هناك مسلمون، ولكن ذلك ما دفعنا أكثر إلى الحضور لنرى أن الاتحاد السوفييتى ليس فقط دولة كبرى وغنية، بل أن دولة أفراد متساوون أحرار يستطيعون أن يدعوا لأى دين دون عوائق، وأن حياة المسلمين فى هذا البلد تثير الإعجاب" وشهد بها كثيرون غيره.
***
ولم تقتصر شهادات المسلمين الضيوف على الاتحاد السوفييتى على موضوع حرية العقيدة فحسب، فهم يطلعون على كافة أحوال المسلمين فى شتى مناحى الحياة الروحية، وتطرد تعليقاتهم وإطراؤهم لما يشاهدون.
وقد حظيت المكتبة الإسلامية فى طشقند بالإعجاب الشديد من العديد من زوارها سواء بسبب المراجع الدينية أو المخطوطات الأثرية أو النشاط الدائب من المترددين عليها.
ولم يتردد المرحوم لال بهادور شاسترى رئيس وزراء الهند أن يكتب فى سجل المكتبة أنه يعتبره شرفاً عظيماً يزور ذلك الجامع الكبير (تلا شيخ) فى طشقند والمكتبة الملحقة به والمشهورة بمجموعتها الغنية من الكتب، أنها تحوى عديداً من الكتب المقدسة ولا يوجد ما يماثلها فى مساجد الهند كلها ويهنئ القائمين على أمرها، لم يتردد -رحمة الله- فى كتابه هذا، وأعقبه باهداء المكتبة عدداً من الكتب القيمة.
أما بعض الطلبة العرب الذين يدرسون فى موسكو وزاروا المكتبة فى أول مارس 1969 فيكتبون فى دفتر زوارها "إن لننظر بأعجاب إلى هذا المكان العظيم وتمتلئ قلوبنا بالفرح لزيارة هذا المسجد والمكتبة، حيث تحفظ مجموعة قيمة من مخطوطات القرآن الكريم... ولقد أسعدنا أن نلتقى بهؤلاء المسئولين عن المحافظة على هذه الآثار الإسلامية والتراث الثقافى، أنها رغبتنا القلبية أن يظل الإسلام فى كل مكان رمزاً للسلام، وأن يستمر رافعاً لواء الأخوة والمحبة والتفاهم بين شعوب العالم".
ولا يخفى السيد أحمد برغش وزير الأوقاف فى المملكة المغربية ورئيس وفد إسلامى مغربى إعجابه إذ يسجل "بسم الله الرحمن الرحيم، لقد سعدت بزيارة هذه المكتبة الغنية، وإنى لأبارك جهود هؤلاء الذين يحافظون عليها بعناية وأدعو لله العظيم أن يستمر انتعاشها وألا يقتصر استعمالها على مسمى هذه البقاع بل من مسلمى كل الأقطار".
أما مواطنه محمود بن عبد الله رئيس تحرير مجلة دعوة الحق وعضو نفس الوفد فيكتب بعد عودته إلى بلاده يصف المكتبة قائلا "تقع المكتبة فى بقعة جميلة تحطيها أشجار كثيرة وخضرة يانعة وينبوع للرى يجرى حولها، أنها تستحم بالشمس من جميع جوانبها، وتكشف أرففها من ذوق عال، وإحساس عميق بالجمال واهتمام من جانب المجلس الإسلامى لآسيا الوسطى وكازاخستان بالثقافة الإنسانية والفكر والعلوم الإسلامية". ولقد أصدرت المكتبة أخيراً مجلة شهرية تنبئ عن حياة المسلمين فى الاتحاد السوفييتى كما أصدرت طبعة فخمة من القرآن.
إن أمين المكتبة أستاذ شاب يثير الإعجاب هو أبو تراب بن يونس أحد خريجى جامعة القيروان فى مراكش".
***
 وقد حظيت المدرسة بزيارة العديدين من الزوار المسلمين، شاهدا المبنى وكيف أعيد إلى سيرته الأولى بعد أن كادت تعدو عليه عاديات الزمان تحت الحكم القيصرى وقرأوا على جدران "الحجرات" المخصصة للتلاميذ أسماء سلف صالح ممن سبق لهم الدراسة بها مثل رجل الشريعة القاضى عسكر الذى أصبح فيما بعد الزعيم الروحى لأحد فروع الطائفة النقشبندية والمحدث والمفسر الشيخ إيشان مالك والذى أسس فيما بعد المجلس الإسلامى لآسيا الوسطى وكان معلماً للمفتى السابق إيشان باباخان بن عبد المجيد خان، كما قضى شبابه دارساً بين حجراتها الشاعر والمفكر مؤسس الأدب السوفييتى الطاجيكى صدر الدين عينى.
لقد استمع الزوار إلى الدروس التى تلقى بها، وفحصوا مناهج الدراسة ووسائلها، واختبروا طلبتها، وأثارت لدى العديدين منهم مناقشات بينهم وبين أساتذتها.
ووجدت بعثة مسلمى فولتا العليا التى كان يرأسها الحاج عبد السلام كيمثروى أن بأسلوب المدرسة ووسائلها فى تعليم أصول الدين الكثير الذى يمكن أن ينقلوه إلى بلادهم كخبرة متميزة.
أما السيد محمد أمين دوغان صاحب امتياز ورئيس تحرير صحيفة الشعب البيروتية الذى زار الاتحاد السوفييتى ضمن وفد من الشخصيات الإسلامية فى لبنان برئاسة المفتى الأكبر الشيخ حسن خالد فقد أصدر كتاباً أسماه "الرحلة الأولى" ضمنه قوله "قبل جولة وفدنا كان الناس يصدقون الشائعات التى تزعم بأن الاتحاد السوفييتى يحظر على المسلمين ممارسة شعائرهم الدينية ويدرس حقوقهم ويضطهدهم ويحرمهم من حق الكلام ويدمر آثارهم التاريخية وغير ذلك.
واستطاع الأمبرياليون أن يروجوا هذه الشائعات، ما دام الوفد الإسلامى لم يزر الاتحاد السوفييتى، ولكن تصريحات الوفد بعد رجوعه إلى الوطن قد نسفت إلى الأبد هذه الدعاية الكاذبة... وهتك الستار الذى حاكه الأمبرياليون بهدف إخفاء الحقيقة عن الشعب".
ولكنه فى شأن المدرسة فبعد أن كتب يصف الزيارة والحديث مع المدرسين والطلبة مضى يقول "... ودخلنا إلى الصف حيث كان يجرى تدريس القرآن وكان جميع الطلبة من المقرئين الحفاظ العارفين لنص القرآن عن ظهر الغيب ورجا سماحة المفتى الأكبر حسن خالد أحد الطلبة أن يتلو أجزاء من سورة الكهف، وماذا نظن؟ لقد تلى جزءاً طويلا من الآيات البينات بلسان عربى ونطق سليم وصوت رخيم".
***
وتتنوع الشهادات من أفاضل المسلمين حول العديد من ظواهر حياة المسلمين.
فكتب الدكتور زكى على من سويسرا إلى المفتى ضياء الدين خان بعد أن تلقى نسخة من ألبوم "الآثار الإسلامية التاريخية فى الأتحاد السوفييتى "يقول" إنى شاكر لك هذه الهدية التاريخية العلمية الدينية، التى توضح تقدم بلادكم فى العلوم والثقافة، وإنى أعتبر هذا الألبوم كمثال عن الأرث الإسلامى المدهش لآسيا الوسطى".
أما محمد بن العربى السعدونى وزير الأوقاف فى جمهورية الجزائر الديمقراطية والشعبية فيقول فى مؤتمر صحفى فى طقشند فى 14 يوليو 1969 "إن كل ما شاهدناه فى سمرقند من الآثار المعمارية المدهشة وقبر الأمام البخارى يقنعنا أن البلاد التى توجد فيها هذه الآثار ويحافظ عليها، تعامل الإسلام نفسه بالإحترام".
ويقول الدكتور وافق الكسار أحد الشخصيات اللبنانية المعروفة أن "اللقاء الحار الذى قوبلنا به جعلنا ننسى أننا لسنا فى بلادنا، إنا نشعر هنا بأننا بين أخوة فى الدم، إن ما رأيناه بأعيننا وأحاديثنا مع القادة الدينيين أوضح لنا أن المؤمنين فى الاتحاد السوفييتى يمارسون عقيدتهم بكل حرية".
أما الدكتور عبد المنعم من وزارة البحث العلمى بجمهورية مصر العربية وقد حضر عيد الأضحى وصلاة العيد مع المسلمين فقد كتب فى دفتر زيارات المجلس الإسلامى لآسيا الوسطى أنه "فى اليوم الأول لعيد الأضحى قد شاركت بفضل الله فى الصلاة مع إخوانى فى العقيدة، وعندما رأيت أعداد المسلمين متجه لتؤدى الفريضة وقد تراصوا فى إيمان عميق أمام المسجد طفرت إلى عينى دموع الفرح.
ولقد قضيت وقتاً سعيداً مع سيادة المفتى، وشاركت فى زيارة منازل ذوى الأحزان ورأيت أن الإسلام مازال يعيش وينتعش ، ويعيش الإسلام لأن هناك أناس مخلصون لمبادئه وتعاليمه".
***
وقد تمضى بناء الشهادات إلى آفاق أخرى، وقد يتكرر من أصحابها ذكر ما يفضح الدعايات الاستعمارية ويرد كيد الكائدين إلى نحورهم، ولكنا نعتقد أن ما ذكرنا فيه الكفاية وأكثر أن يجعل كل مؤمن غيور على دينه يطمئن غاية الاطمئنان على أحوال إخوانه فى العقيدة وحريتهم، وعلى أن الإسلام لا يمكن إلا أن يكون بخير طالما كان هناك أناس يؤمنون به ويدعون له، وطالما كان النظام الاجتماعى يحترم حرية العقيدة لدى أفراده، ويسوى بين مختلف العقائد، لا يفضل واحدة على الأخرى، وطالما لم تكن هناك طبقات من مصلحتها أن تضطهد هذا وتقرب ذاك، ومن مصلحتها أن تستغل الدين -أى دين- لتحقيق بقاء امتيازاتها الاجتماعية والاقتصادية على حساب الجماهير الواسعة المستغلة اقتصادياً والمقهورة سياسياً، تلك الأوضاع التى عبر عنها الأمير كانوا بايبيرا رئيس بعثة مسلمى نيجيريا إذ يقول "لقد كانت رحلتنا عظيمة الفائدة، لقد رأينا الكثير المثير والهام، ولكن ما كان ذا انطباع كبير لدينا هو الصداقة والتعاون بين المسلمين وغير المسلمين وبين القوميات المختلفة أننا يجب أن نتعلم منكم كيف يمكن أن نقيم مثل هذا التعاون".
***
وقد يكون مقيداً فى هذا الصدد أن نورد هنا رد بعض الحجاج من طاجيكستان حين سألهم مؤمنون آخرون فى مناسبة حج بيت الله الحرام عن الأسباب التى تجعلهم يحبون الاشتراكية ويخلصون لها، لقد قالوا -واخلصوا القول لأخوانهم- أن: 
"ثورة أكتوبر الاشتراكية قد مثلت نقطة تحول فى مستقبل مسلمى روسيا، لقد تحرروا من الاضطهاد الدينى والإجتماعى والقومى واستطاعوا لأول مرة أن ينعموا بالحقوق المتساوية مع المواطنين الآخرين...".
ويمضى متحدثوهم ليتساءلوا "كيف كانت طاجيكستان منذ خمسة عقود مضت؟ لقد كانت متأخرة، مهينة يعمها الفقر، وكان القوم على وشك أن ينقرضوا بعد ما تحملوه من قهر القيصرية وأمراء الإقطاع المحليين، وكان الاقتصاد فى حالة يؤسف لها".
"لقد ساعدت ثورة أكتوبر الاشتراكية على أن تخرج الجماهير من الظلام والعبودية وأن ينطلقوا على طريق البناء الاشتراكى... وأن يتحولوا مباشرة من الاقطاعية المتخلفة إلى قوة صناعية زراعية".
فبينما لم يكن هناك فى 1913 سوى عدد من المؤسسات الصغيرة لطحن الحبوب، يوجد اليوم ما يزيد على مائة فرع من فروع الصناعة، لقد زاد الإنتاج الصناعى 60 مرة، أن البلاد التى لم تكن بالفعل تعرف الكهرباء تنتج اليوم أكثر من 2 مليون كيلوات ساعة سنوياً من الطاقة الكهربائية، وباستكمال مشروع محطة قوى نوريك سيرتفع الرقم إلى 12 مليون، لقد دخلت طاجيكستان إلى السوق العالمية مصدرة عديداً من المنتجات الصناعية لأكثر من 50 بلداً فى أوربا وآسيا وأفريقيا لم تكن فيما مضى تسمع باسم البلاد".
"لقد تم تحول عظيم مماثل فى الزراعة زاد إنتاج القطن 20 ضعفاً حيث وصل إلى 2,6 طناً للهكتار بينما هو يقف عند 0,54 طناً فى البرازيل، 0,42 طناً فى الهند".
"لم يكن هناك قبل الثورة أكثر من 6 أفراد فى كل ألف يستطيعون القرأة والكتابة... أما اليوم فلم يقضى على الأمية فحسب بل هناك سبعة من الجامعات والكليات المتخصصة، 22 مدرسة ثانوية متخصصة، 3000 مدرسة للتعليم العام".
"وتعمل الأكاديمية القومية للعلوم منذ 17 عاماً لتنسيق بين البحوث العلمية لمراكز للبحوث التى تحوى 4000 باحث من بينهم 900 يحملون شهادات الدكتواره والماجستير".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.