عرضنا فيما سبق لدخول الإسلام بعض جمهوريات الاتحاد السوفييتى وتطوره من فترات ازدهار آتت ثمارها بهذا العدد الوفير من العلماء الأوائل الذين لم تقتصر جهودهم على نشر الإسلام وتعاليمه فى بلادهم وبين أهليهم فحسب، بل بلغ من ارتفاع كعبهم وفيض علمهم أن صار ما كتبوا من حديث وتفسير وغيرها مراجع المدى المسلمين فى بقاع الأرض كافة ورأينا كيف خبا ذلك النور الساطع وسط ظلام حكم القيصرية، وما تعرض له المسلمون من ضغط وإرهاق نتيجة سيطرة الكنيسة الأورثوذكسية، ودأبها على دفع الدولة إلى ملاحقة اتباع الديانات الأخرى، فضلا عن عدم الاهتمام بشئونها حتى كادت الآثار الإسلامية جميعاً تندثر، والمخطوطات تتبعثر وتتلف، ومدارس اعداد الدين تغلق، حتى لم يبق من هؤلاء ويعلو صوته إلا ذلك النفر الذين باعوا إيمانهم للشيطان، وعاشوا يدعون إلى ما يبقى على حكم الإقطاع والقيصرية، ويقدمون من الفتاوى ما يرهب المسلمين عن أن يطلبوا تغييراً، أو أن يتطلعوا إلى جديد.
وعرضنا للثورة الاشتراكية وموقفها الفكرى من الأديان عامة، وكيف كان إزاحتها لسيطرة الكنيسة بمثابة إزالة حجر عثرة ظل يضغط على صدور المسلمين قروناً عديدة، وكيف احترمت عقيدتهم ومقدساتهم وبذلت الجهد لترميم الآثار وإحياء التراث، ثم فى النهاية كيف تغيرت كيفياً الحياة المادية التى يحياها المسلمون، وانتقلت بهم من مختلف القرون الوسطى إلى أرحب آفاق القرن العشرين.
أن هذا كله لابد وأن يثلج صدر كل مؤمن غيور إذ يرى إخوة له فى العقيدة، وقد تحرروا من ذل الحاجة، وبعدت الشقة بينهم وبين العوز، وتحولت حياتهم من قلق لما سوف يكون فى الغد، إلى اطمئنان فى العيش حتى ما بعد الغد، وحتى يأذن الله لهم بعلاقاته.
ولكن ذلك المؤمن ذاته قد يقلق ويتساءل، وماذا بعد؟.. ماذا بعد أن أستقر بالناس العيش؟ هل سوف تنسيهم الدنيا أمور الدين؟ وهل، والدولة علمانية، سوف تذهب أمور المسلمين أدراج الرياح؟ ماذا يكون من أمرهم إذا احتاجوا جامعاً للصلاة، وكيف سيعرفون تقويم العام حسب دينهم، وهل سيعرفون وتعترف الدولة بأعيادهم، وبعاداتهم وتقاليدهم، وما يفرضه عليهم دينهم؟ وسوف تترى الأسئلة واحداً وراء الآخر، وكلها قلق على حياة المسلمين الروحية رغم أنه قد اطمئان على حياتهم المادية.
ولن يكن هناك ما يشفى غليله، ويرد إليه الطمأنينة إلا إذا عرضنا لكيفية ممارسة المؤمنين شعائر دينهم وعبادتهم كما هى، وكما شاهدها وأقر بها العديد من أئمة المسلمين وعلمائهم والذين سوف نخصص لشهادتهم الفصل الأخير.
كيف تتكون الجماعات الدينية:
لما كانت الدولة فى نظامها، من حيث هى دولة، علمانية ينفصل فيها الدين عن الدولة فأنها لا تمارس أى نشاط من جانب الأجهزة الحكومية ذاتها فى تكوين أى جماعة دينية أو مجرد تشجيع التكوين، ولكنها من جهة أخرى لا تقيم أى عقبة تكوين أى جماعة أو طائفة.
فأنه لتسجيل أى طائفة دينية، يكفى أن يوقع عشرون شخصاً فحسب من سكان أى مدينة أو قرية أو أى مكان آهل بالسكان على كتاب لجهات الحكم المحلى برغبتهم فى وإعلانهم تأسيس طائفة دينية، لتحصل الطائفة على الاعتراف القانونى بها مباشرة.
وبالطبع يترتب على هذا الاعتراف عديد من الحقوق للطائفة وواجبات يجب أن تلتزم بها، فهى ملزمة باحترام النظام الأساسى للدولة، وألا تمارس أى عدوان على حقوق الآخرين فى اعتناق ما يرون من عقيدة، وألا يكون بين شعائرها ما تحرمه الأخلاق العامة مثل ما سبق الإشارة إليه عن الطوائف التى تمارس العهر أو العادات الشاذة المنافية للأخلاق والآداب العامة، وأن تمكن كل المؤمنين بعقيدتها من ممارسة شعائرهم دون تفضيل أو تمييز وهكذا، ويترتب لها من الحقوق على الدولة تهيئة الحصول على البيانات اللازمة للصلاة وأداء الشعائر، كما تعطى الدولة مجاناً كل الأدوات الدينية الموجودة لديها والأجهزة الضرورية للبناية.
وإذا لم يكن فى هذه المنطقة أو تلك بنايات خاصة للصلاة -جامعاً أو كنيسة أو غيرها- كان للمؤمنين المنضمين للطائفة الحق فى أن يستأجروا أو أن يقيموا بناء خاصاً حسب حاجتهم.
وعند هذا الحد تنتهى صلة الطائفة بالدولة بتاتاً إلا فيما يمس القانون والنظام العام، فالطائفة ليست مطالبة مثلا بأن تبلغ أحداً عن أسماء أتباعها، أو أن تستأذن أحداً فى ممارسة شعائرها، أن الطائفة مسئولة تماماً أمام جمهورها هى فحسب عن قيامها بواجباتها، ولأتباع الطائفة أن يضعوا هم القواعد المنظمة للممارسة الروحية للمؤمنين، وأن تنشئ من بين أعضائها أجهزة لقيادة أو متابعة مختلف أوجه نشاطها، ولها أن تجى الاشتراكات والتبرعات من أتباعها -التى تعفيها الدولة بدورها من الضرائب- وأن تهيئ الوسائل لإعداد القائمين على نشر دعوتها، أن لها أن تنشئ المدارس وتهيئ الوعاظ والمطارنة والشمامسة، وأن تطبع وتوزع منشوراتها التى تدعو لها، كما أنها حرة تماماً فى قضايا العلاقات مع الطوائف الأخرى سواء فى الداخل أو فى الخارج.
ويحدد القانون السوفييتى حقوق وواجبات الطوائف فيما يلى:
(أ) إقامة الصلاة والاجتماعات والشعائر المرتبطة بالعبادة.
(ب) تعيين أو انتخاب الأئمة (يمعناها لكل الطوائف) وسائر الأشخاص اللازمين لرعاية الاحتياجات الدينية.
(جـ) استعمال وإدارة أماكن العبادة وسائر متعلقاتها.
(د) أن تجمع الهبات فى أماكن الصلاة لإعاشة الأئمة وصيانة دور العبادة ومتعلقاتها وسائر أنشطتها.
(ه) أن تكون لها الأختام والطوابع والمطبوعات التى تحمل إسم وشعار الطائفة.
وبالإضافة إلى تلك الحقوق التى لا حاجة للطائفة فى استئذان واحد بشأنها، فإن لها بالتنسيق مع الإدارات الحكومية تملك وسائل المواصلات التى تلزمها وأن تبنى وأن تستأجر الأماكن للأغراض الدينية وأن تدير وأن تصنع منتجات دينية، وأن تعقد المؤتمرات الخاصة بها.
وطبيعى أن تكون هناك إذن ضرورة للاتصال المنتظم بين المؤسسات الدينية وأجهزة الدولة، ولهذا أنشئ مجلس الشئون الدينية الذى يتبع الحكومة المركزية مباشرة، ولكن تنتشر فروعة فى كافة الجمهوريات والمقاطعات والأقاليم، ويتكون المجلس من ممثلين عن الأجهزة الحكومية، وممثلين للطوائف الدينية والدنيوية، كما يمنح جوازات السفر للوفود الدينية المسافرة إلى الخارج، وتأشيرات الدخول إلى الاتحاد السوفييتى لرجال الدين والأجانب.
التنظيمات الدينية للمسلمين
تسرى القواعد السابق طرحها على المسلمين شأن غيرهم من الطوائف وأصحاب العقيدة فيتولون بالكامل كافة أمورهم الدينية.
وفى الواقع تبدأ التنظيمات الدينية للمسلمين من المكان الأول الذى يجمعهم وهو المسجد، فالذين يؤمون مسجداً ما يمثلون جمهوره، وينتخب جمهور المسجد بينه ثلاثة من أخيار المؤمنين يسمون على مستوى المسلمين جميعاً "المتوليات" يمثلون مجلس إدارته ويديرون كل أمور الطائفة محلياً، ويتولون المسائل المالية، ويحافظون على المبنى ومتعلقاته ويمثلون جمهورهم فى علاقته مع الطوائف الأخرى والحكومة، وتطبيقاً للديمقراطية فعليهم أن يعرضوا دورياً على جمهورهم تقريراً عن نشاطهم وعن أحوال الطائفة ويخضعون لثقتها فيهم، وينتخب الجمهور بالإضافة إلى هؤلاء لجنة للرقابة المالية على حسابات الطائفة مسئولة كذلك أمامه، وتشهد الوقائع بأن ذلك النظام قد أدى إلى أن تغطى تبرعات المؤمنين كل المصاريف اللازمة، بل وأن توجد وفورات كافية كاحتياطى للمستقبل، وغنى عن البيان أن تحسن أحوال المعيشة للشعب بالاضافة إلى إيمان المؤمنين هما العاملان المسئولان على أن تكون حصيلة التبرعات على هذا القدر من الكفاية، ثم أن تفيض بحيث يرسل الفائض إلى المجلس الإسلامى الذى تتبعه المنطقة ليوجهه إلى ما فيه خير الطائفة كلها.
وطبيعى أن التاريخ الطويل للدين الإسلامى فى بلاد الاتحاد السوفييتى، وصور الازدهار التى سبق الإشارة إليها قد أدت إلى أن يتكون فى مختلف أجزاء البلاد فى الماضى التاريخى عدد من المراكز الدينية تشرف وتوجه حياة المسلمين، ورغم ذلك فقد أدى اضطهاد الكنيسة الأثوذكسية والقيصرية إلى ذيول هذه المراكز وانحلالها، وإلى تشتت رجال الدين بحيث لم يبق منهم إلا من سار سيرة أمراء الاقطاع الحاكمين عندئذ.
وكان على المسلمين وقد أعادت الثورة الاشتراكية لهم حقوقهم وحرية عقيدتهم، أن يعيدوا تنظيم صفوفهم، وأن يبدأوا العناية بطائفتهم وأمورهم وحياتهم الروحية، وسارت الأمور طبيعية فى مساجدهم ومراكزهم، ولكن كان لا بد أن يرقى التنظيم الدينى إلى أبعد من ذلك.
المجالس الإسلامية:
وفى شهر سبتمبر 1942 قام ممثلو كبار رجال الدين فى آسيا الوسطى بزيارة بولداش أخوبناييف، وكان يشغل فى ذلك الوقت منصب رئيس هيئة رئاسة مجلس السوفييت الأعلى فى جمهورية أوزبكستان الاشتراكية السوفييتية، وبدأ إيشان بابا خان بن عبد المجيد خان رئيس الوفد وممثل رجال الدين فى أوزبكستان فى مجرى الحديث الذى دار أثناء الزيارة يشرح كيف أنه "يوجد فى بلادنا عدد كبير من المساجد ورجال الدين، ولكن الشعائر الدينية تختلف فى شكل أدائها من منطقة إلى أخرى، كما أن الأعياد الدينية لا تراعى بشكل دقيق (أى فى نفس الوقت)، وليس هناك من يهتم باعداد رجال الدين المسلمين الجدد" وعبر فى النهاية عن أن المؤمنين الذين أزعجهم هذا الوضع يطالبون حكومة أوزبكستان بالسماح لهم بإقامة مركز إسلامى فى طشقند، وهيئة خاصة تتولى الاهتمام بكافة أمور المسلمين.
وصدر التصريح بتنظيم مركز إسلامى، كما قامت هيئة من رجال الدين المسلمين بوضع مشروع لائحة المجلس الإسلامى، واتخذت الاجراءات التنظيمية اللازمة للدعوة للمؤتمر الأول لممثلى المسلمين فى آسيا الوسطى وكازاخستان، وكان أهم ما اتخذ من إجراءات إحضار المصحف المقدس الخاص بالخليفة عثمان بن عفان رضى الله عنه، من أوفا -حيث كان محفوظاً منذ أمر لينين بتسليمه للمسلمين- إلى طشقند مقره المستمر السابق قبل أن تنقله القيصرية إلى بطرسبرج، وفى 20 أكتوبر 1943 بدأ المؤتمر الأول أعماله، وحضره 160 مندوباً من أوزبكستان، وطاجيكستان، وتركمانيا، وقرغيزيا، وكازلخستان إلى جانب عديد من الضيوف من الجمهوريات الأخرى، وقام المؤتمر بانتخاب هيئة رئاسة المجلس الإسلامى من سبعة أعضاء ومجلساً للإدارة، وكان أول إجراء يتخذه المجلس هو إقامة معهد دينى فى بخارى وتنظم الحج إلى الأماكن المقدسة الأمر الذى لم يتيسر تنفيذه إلا بخروج أول بعثه للحج بعد الانتصار على الغزاة الألمان.
ونظراً لاتساع الرقعة التى ينتشر فيها المسلمون فى الاتحاد السوفييتى واختلاف اللغات، بل واختلاف الليل والنهار، فقد انتهى الأمر بالمسلمين إلى تكوين أربع مجالس إسلامية يختص كل منها بمنطقة من المناطق، وهذه المجالس هى:
1- المجلس الدينى لمسلمى آسيا الوسطى وكازاخستان، ويشرف على الأمور الدينية للمسلمين فى أوزبكستان وكازاخستان وطاجيكستان وقرغيزيا وتركمانيا ومقره مدينة طشقند.
2- المجلس الدينى لمسلمى الجزء الأوربى من الاتحاد السوفييتى وسيبريا، ويشرف على الأمور الدينية فى منطقة شاسعة تمتد من أقصى شرق سيبيريا إلى لنينجراد غرباً، ومن أقصى الشمال حتى حدود بحر قزوين عدا القوقاز الشمالى وداغستان، ومقره مدينة أوغا بجمهورية بشكيريا.
3- المجلس الدينى لمسلمى المنطقة الواقعة خلف جبال القوقاز وتشرف على شئون المسلمين فى أذربيجان وجورجيا وأرمينيا ومقره مدينة باكو.
4- المجلس الإسلامى لمسلمى شمال القوقاز، ويشرف على الحياة الدينية للمسلمين فى داغستان وجمهورية كاباردينو -بالكاريا الذاتيه الحكم- وجمهورية تشتشينو -أنجوشيتيا الذاتية الحكم- وجمهورية أسيتيا الشمالية الذاتيه الحكم، وإقليمى كاراتشينفو تشيركيسيا واديجيسكيا الذاتيتى الحكم، ومقر المجلس فى مدينة بوينا كسك (داغستان).
ويرأس هذه المجالس شيوخ يحملون لقب المفتى، أما مجلس مسلمى ما وراء القوقاز فيرأسه شيخ الإسلام.
وينتخب أعضاء المجلس الإسلامى فى مؤتمر من ممثلى رجال الدين والمؤمنين، كما يضع المجلس دستوره ولوائحه الداخلية التى يجب أن يقرها المؤتمر، وتقرأ فى دستور أحدها فتجد فى مادته الحادية عشرة أن واجب المجلس هو نشر تعاليم الإسلام بين المؤمنين وقيادة أعمال رجال الدين، كما يحوى فى مادته التانية عشرة أن على المجلس أن يقدم بناء على هدى القرآن والحديث تفسير تعاليم الدين والشريعة، وأن عليه نشرها على كافة المسلمين فى منطقته، كما ينص على أن تكون كل أعمال الافتاء بتوقيع المفتى نفسه.
ولا يقتصر عمل المجالس الإسلامية على الإفتاء فى أمور الشريعة فحسب، بل أنها تمارس عدا ذلك عديداً من الأمور الدينية أهمها:
- تسجيل كل المساجد ودور الصلاة والجمعيات الدينية، ورجال الدين الإسلامى، بما فيهم هؤلاء الذين يمارسون النشاط الدينى فى الجمعيات، ومن توكل إليه أعمال فى إدارة المجلس.
- ترشيح وتعيين الأشخاص الذين يقومون بواجبات رجال الدين فى مناصب أئمة المساجد والمؤذنين، وذلك بعد اختبار وإقرار صلاحيتهم، ويحصل هؤلاء على شهادة بالصلاحية والتعيين بتوقيع المفتى ولا يسمح لهم بالعمل بدونها.
- عزل الأئمة والمؤذنين من مناصبهم إذا خالفوا أحكام الدين أو ارتكبوا ما يخل برسالة رجل الدين.
- النظر فى طلبات أو شكاوى المؤمنين أو رجال الدين من القضايا الداخلة فى صلاحيات المجلس.
- إصدار المطبوعات الدينية الضرورية.
- تعيين المحتسبين والقضاة المفوضيين عن المجالس الإسلامية فى المناطق.
- تقديم العون للمسلمين الراغبين فى الحج إلى الأماكن المقدسة.
- توزيع وإنفاق الأموال الواردة إلى صناديق المجالس الدينية.
وبالإضافة إلى المجالس الدينية الأربعة، توجد لجنة الإفتاء ومقرها موسكو، وتتكون من رؤساء المجالس الأربعة، حيث يجتمعون مرة أو أكثر فى كل عام لدراسة الموقف الشامل للمسلمين، كما تقوم لجنة الإفتاء بالأعمال الرئيسية الهامة، مثل إقرار طباعة المصاحف، وإصدار الفتاوى الشرعية فى الجلل الهام من الأمور التى تخص مسلمى الاتحاد السوفييتى جميعاً أو توحد الشعائر بينهم، أو فى قضايا خاصة مثل قضايا الشيعة والسنة.
وبالإضافة إلى لجنة الإفتاء، توجد لجنة الاتصال الخارجى لجميع المجالس الإسلامية، كما يوجد مجلس روحى أعلى للمسلمين يضم 50 شخصاً من العلماء والمتفقهين فى الدين، ويجتمع مرة كل خمس سنوات ويضم الجمعية الدينية الإسلامية ودار الشورى التابعة لها.
النشاط الروحى للمجالس الإسلامية:
لقد كان إنشاء هذه المجالس يمثل دفعة قوية للحياة الروحية للمسلمين فى جميع أجزاء الاتحاد السوفييتى، ويرأسها علماء أفاضل فاقت شهرتهم حدود بلادهم، وأصبحوا معروفين فى العديد من البلاد العربية، فالمجلس الإسلامية للجزء الأوربى من الإتحاد السوفييتى وسيبيريا يرأسه المفتى "الحافظ كلام الله شاكر ابن شيخ الإسلام خيالدينوف" والذى يعتبر اليوم كتابه "الدين والعقيدة" أحد المراجع الأساسية لدراسى الدين، والذى شارك فى العديد من المؤتمرات العالمية الإسلامية، أما المجلس الإسلامى لآسيا الوسطى وكازاخستان الذى يرعى الشئون الروحية لعشرة ملايين من المسلمين ينشرون فى خمس جمهوريات، وبالتالى فهو أكبر تلك المجالس، فيرأسه المفتى ضياء الدين خان بن ايشان بابا خان بن عبد المجيد خان والذى ينحدر من أسرة تولت الإفتاء أبا عن جد فى هذه المناطق، ويفخر المفتى الحالى بأنه قد حفظ القرآن كله فى سن الثالثة عشرة، ونال فى السعودية ميدالية لبراعته فى تلاوة القرآن، كما أدى فريضة الحج ست مرات، وهو شخصية إسلامية معرفوة ذو صلات نشطة مع كلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر، وهو بالإضافة إلى ذلك رئيس علماء المسلمين فى منطقته، وعضو فى لجنة السلام السوفييتية، وفى رئاسة لجنة التضامن الإفريقى الآسيوى، ورئيس قسم العلاقات الخارجية فى المجلس الإعلى للمسلمين فى الاتحاد السوفييتى، ويرأس المفتى المجلس الإسلامى لمنطقة ما وراء القوقاز فيرأسه شيخ الإسلام سليمان زادة على أغا سليمان أوغلى.
وقد نشطت المجالس بفضل قياداتها من جهة، وبفضل استمرار مراجعتها من جانب جماهير المسلمين التى تنتخبها فى مؤتمراتها من جهة أخرى، لحل جميع المشاكل الروحية التى تهم المسلمين كافة.
وكانت من أول المشاكل التى قابلت القيادات الدينية توحيد مواعيد الصوم والأعياد، وبيان مواعيد الصلاة، وعموماً كل التقويم الذى يهم المسلم، فالمسلمون يقطنون بلاداً مترامية الأطراف ولا يتيسر للعديد منهم للظروف الجوية أن يرصد القمر أو أن يتبين فى كثير من الأحيان مطلع الشمس وبزوغ الفجر، ولذلك استعانت المجالس بمعهد النظريات الفلكية الأكاديمية للعلوم السوفييتيه لتصدر سنوياً التقويم القمرى الذى يحدد المواعيد الهامة لدى المسلمين، فتصبح أعيادهم فى موعد واحد، وصلواتهم فى أوقاتها، وصيامهم فى المواعيد المحدده له، ويتعرفون على كل المناسبات الإسلامية كولد النبى صل الله عليه وسلم ونصف شعبان وليلة الإسراء والمعراج وهكذا.
وأشرفت على تنظيم بعثات الحج السنوية إلى الأراضى المقدسة وتنظيم لقاء المسلمين خلاله بأخوانهم فى البلاد الأخرى، وأتاحت لهم بهذا أن يحيوا تقليداً عندهم وذلك باحضار مياه زمزم وإهداء القليل منها لأحبابهم وأفراد أسرهم.
أما المجلس الإسلامى لآسيا الوسطى فتتسع دائرة نشاطه عن غيره باعتبار العدد الأكبر والكبير من المسلمين الذين يقعون تحت رعايته، ولذلك يحوى عدداً من الإدارات لكل مسئوليتها ونشاطها، فمنها إدراة النشر وأخرى لتدريب رجال الدين وثالثة للعلاقات الخارجية، ورابعة للآثار الإسلامية.. وهكذا.
وإذا راجعنا بعض أعمال إدارة النشر لا تضح مدى الجهد الذى تقوم به فى نشر العقيدة وتثبيتها لدى المسلمين.
لقد طبع القرآن قبل الثورة الاشتراكية عدداً من المرات وبخطوط مختلفة منها طبع بخارى الذى كان بخط النسخ المعروف فيما وراء النهر، وفى عام 1914 طبع مرة أخرى فى طشقند بكتابة الخطاط الشهير فى عصره ميرزا هاشم الخوجندى، وبناء على رغبة المسلمين رأت الإدارة فى عام 1955 أن تؤلف لجنة خاصة لاختيار نسخ من المصاحف، واختارت عندئذ نسخة طبعت بمدنية فازان عام 1908 فجرى طبع المصحف على أساسها، وفى 1961 اختارت اللجنة أن تعيد طباعة القرآن على أساس النسخة التى اعترفت بها مشيخة الأزهر الشريف، وفى مناسبة الاستعداد للاحتفال بمرور 14 قرناً من الزمان على نزول القرآن الكريم، قررت اللجنة إجراء طبع جديد واختارت أن يكون الأصل هذه المرة المصحف المطبوع فى طشقند بخط ميرزا هاشم السابق الإشارة إليه بعد التصحيح والتهذيب الدقيق من طرف أشد قراء وحفاظ أوزبكستان، وتم طبعه فى عام 1969 بحجمين صغير وكبير بمطبعة الدولة فى طشقند.
ولمناسبة مرور 1200 سنة على مولد إسماعيل البخارى المفكر الإسلامى الكبير، أصدرت الإدارة كتابة "الأدب المفرد" بمقدمة من المفتى إحياء لتعاليم هذا العالم الكبير، كما أصدرت فى نفس الوقت تقريباً كتاباً لإسماعيل مخدوم ستييف نائب رئيس الإدارة الدينية عن "مصحف عثمان".
ولعل أكبر مساهمة فى التعريف بالدين تقوم به تلك الإدارة هو إصدارها لمجلة "مسلمو الشرق السوفييتى" باللغتين العربية والأوزبكية، وبلغ نجاحها فى داخل الاتحاد السوفييتى وخارجه درجة كبيرة جعلت الإدارة تدرس بناء على طلب القراء إصدارها باللغات الفرنسية والإنجليزية كذلك، ولعل مراجعة لبعض ما جاء بأعداد مختلفة من تلك المجلة تبرز أسباب نجاحها الواسع فى رسالتها.
ففى تقديمها للقراء فى عددها الأول يحدد المجلس الإسلامى هدفها بأنها مجلة إسلامية تعنى بالعرض الأمين لحياة المسلمين فى آسيا الوسطى وباقى الاتحاد السوفييتىوصلاتهم بالعالم، وتقوم بالتعليق والشرح على مقتطفات من القرآن والحديث لنشر المعرفة المصادقة بأمور الدين، كما تعالج الأمور المتصلة بالحياة الروحية للمسلمين، وتنقل إليهم أخبار التقدم فى الحياة الاقتصادية والثقافية كذلك.
وقد صدق المجلس فيما ذكر، أو صدق محررو المجلة فيما كان عليهم أن يقوموا به، ففى عددها الأول تقدم مقالا عن الذكرى ال 1400 لنزول القرآن الكريم، ومغزى نزولة على الرسول، وما أراد الله من عبادة بهدايتهم على يد سيدنا محمد، وفى العدد الثانى تقرأ مقالا بقلم المفتى ضياء الدين عن حياة وتعاليم الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان مؤسس المذهب الحنفى فى الإسلام، وتشعر من القراءة كم يقدر المسلمون هناك هذا الإمام من أئمة المسلمين ويتبع معظمهم مذهبه، ولكن يلحق بهذا فى عدد آخر مقال عن حياة الإمام محمد بن إدريس الشافعى يشرح ما أضافة الشافعى للعبادة ويتحدث عن كتابة "أصول الفقه" وعن فهمه للقرآن والحديث وكذلك موهبته فى الشعر والبلاغة والكلام، وتلتقط من المقال أن عديداً من المسلمين فى شمال القوقاز يتبعون المذهب الشافعى، ولا يقل الاهتمام بالإمام مالك بن أنس عن سابقيه فتجد مقالا عنه وعن أعماله وتفسيرة وما أضافة لأصول العبادة فى العدد الخامس.
ولا تقف الكتابة عند حدود التاريخ للأئمة الكبار فحسب بل يتعدى ذلك إلى سير العلماء الآخرين من أبناء المنطقة، فيفرد أحد الأعداد مجالا لحديث مطول عن العالم محمود الزمخشرى من القرن الحادى عشر المولود فى خوارزم، وعن الخمسين كتاباً، فى التفسير التى ألفها، وعن الفترة الطويلة التى قضاها من حياته فى مكة المكرمة حتى أخرج كتابة "تفسير الكشاف" المشهور بين المسلمين كافة، ومقال آخر عن أبو النصر الفارابى، وحديث آخر عن حياة المسلمين فى العصور السابقة وهكذا.
ولا تهمل المجلة الحديث عن انطباعات المسلمين المسافرين إلى الحج وعن لقائهم ومناقشاتهم وما تبادلوا من آراء مع المسلمين من بلاد أخرى، وتنقل إلى القراء الأخبار الجارية عن الحياة الروحية لمختلف مجموعاتهم، وعن مدارس ومعاهد إعداد رجال الدين، وعن المناسبات ذات الصفة الخاصة مثل العيد ال 1500 لمدينة سمرقند، وعن المؤتمرات الإسلامية فى الخارج والداخل، أى أنها لسان حال للمسلمين فى هذه المناطق بالفعل.
وقد حرص المجلس الإسلامى لآسيا الوسطى وكازاخستان على تأسيس مكتبة عامة للمسلمين تضم الآن ما يقرب من 25,0000 مجلد وكتاب معظمها بالطبع يدور حول تعاليم الإسلام والشريعة، كما حرص على أن يجمع كل المخطوطات التى صدرت عن السلف الصالح من العلماء بحيث يجمع لدية ما يربو على 2000 مخطوط منها، وتتبادل المكتبة الرسائل والصلات مع كل المكتبات الإسلامية فى العالم.
إعداد رجال الدين:
فى وسط مدينة بخارى القديمة، وقريباً من مئذنة كالان الشهيرة يوجد بناء من طابقين يدعى مدرسة "مير عرب" يرجع تاريخ بنائها إلى عام 1535 ميلادية، حيث سماها بهذا الإسم وحاضر فيها لجميع علماء بخارى الأمير الشيخ سيد عبدالله اليمنى، وقد أتت على المدرسة عوائد الزمن ولكن أعيد تعميرها بعد الحرب العالمية الثانية، واستخدامها لتدريب وتعليم رجال الدين تحت الإشراف المباشر للمجلس الإسلامى لآسيا الوسطى.
ويوفر المجلس الإسلامى هيئة التدريس ويتولى أمر إعاشتهم، كما يدفع منحة شهرية للطلاب، ذلك بالإضافة إلى ما اصطلحت جميعات المسلمين عليه بأن تدفع شهرياً مبلغاً قد يصل إلى 100 روبل للأسرة التى ينخرط أحد أبنائها فى سلك المدرسة.
ويتقدم الشباب الرغبون فى تكريس حياتهم للخدمة الدينية لتعقد بينهم مسابقات يتم على أساسها اختيار العدد المطلوب منهم، وكقاعدة، فان كل متقدم يجب ألا يقل عمره عن 18 عاماً، وأن يكون قد تعدى مرحلة التعليم الثانوى بنجاح، كما تعلب تزكية الجميعات الدينية للشبان دورها فى اختيارهم بالإضافة إلى نتائج المسابقات.
وتستمر الدراسة لسبع سنوات يقيم الطلبة أثنائها طوال العام الدراسى فى المدرسة، ويتلقون دراسة شاملة للتعاليم الدينية أهمها حفظ القرآن وقواعد تلاوته وتفسيرة، وسيرة النبى ودراسة الحديث، وتاريخ الإسلام والشريعة والفقة، وهذا يعطى قدر كبير من الأهتمام بدراسة اللغة العربية لغة القرآن، كما يدرس الطلبة بالإضافة إلى المواد الدراسية الدينية مواد أخرى، هى الجغرافيا وعلم الاجتماع وتاريخ الشعوب والاقتصاد السياسى واللغة والأدب الأوزبكى.
وللمدرسة جامعها الخاص حيث لا يؤدى الطلبة الفرائض الخمس فحسب، بل يتمرنون على إمامة إقامة الصلاة، وإلقاء المواعظ بحيث يتوفر لهم من ذلك التدريب العملى.
أما فى الأجازة الصيفية التى تمتد أربع شهور من مايو إلى سبتمر، فيتفرق الطلبة إلى المساجد فى الجهات النائية ليلموا بحياة المسلمين وينقلوا إليهم ما تعلموه فى المدرسة، وفى نفس الوقت يكتسبون الخبرة والتدريب من ممارسة الشعائر الدينية تحت قيادة علماء تلك المناطق.
وقد حدث تغيير كبير فى عام 1968 - 1969 إذا افتتحت المدرسة مجموعة بها للشيعة بعد أن كانت قاصرة على أبناء السنة فقط.
ويعتز المسلمون فى الاتحاد السوفييتى بخريجى تلك المدرسة إذ يعيشون فى وظائف الأئمة والخطباء فى المساجد، ونواب للأئمة أو فى المجالس الإسلامية ذاتها.
كما ترسل المجالس هؤلاء الذين يظهرون تفوقاً خاصاً لاستكمال دراستهم فى تاريخ الإسلام والشريعة والفقة والفلسفة الإسلامية فى أكبر المعاهد الدراسية فى العالم الإسلامى، فمنهم من يذهب إلى الإزهر الشريف، ومن يوفد إلى كلية الشريعة بجامعة القيروان بالمغرب، وجامعة مدينة البيضاء الليبية، وجامعة دمشق وغيرها.ا
أما هيئة التدريس فبالإضافة إلى أن العديدين منها قد تخرجوا أو درسوا بأشهر الجامعات الإسلامية، فأنهم حريصون طول الوقت على الاستفادة من خبرات تلك الجامعات فى تحسين وتطوير تدريس كل العلوم الإسلامية بالمدرسة، وليست مدرسة "مير عرب" ببخارى الوحيدة فى هذا الصدد، فهناك مدرسة "برافد خان" فى طشقند والتى يرجع تاريخها إلى 1000 عام تقريباً، وعديد آخر من المدارس التى تعنى بالتربية الدينية وإعداد رجال الدين.
هذا وتقوم الإدارة الروحية فى الوقت الحاضر بالاعداد لافتتاح معهد إسلامى جديد فى طشقند سيكون معهداً إسلامياً عالياً يعد رجال الدين ذوى التخصص العالى.
الحياة الروحية للمسلمين:
قد يجد القارئ فيما سبق ضماناً وأماناً لأحوال الدعوة الإسلامية من حيث تنظيمها وإمكان تقدمها وإتاحة الفرص لها لتتسير فى يسر ودون عقبات، بل وأن تتقدم بين المسلمين.
ومع ذلك فقد يتساءل البعض ما إذا كان ذلك ينعكس فى حياة المسلمين اليومية، فى أدائهم للفرائض، فى الصلات الأسرية، فى الزواج والطلاق، فى الصيام والزكاة، إلى آخر ما تطلبه العقيدة من المؤمنين، والواقع أن استعراضاً سريعاً لهذا كفيل بأن يضع الصورة الصحيحة أمام القارئ، وأن يجعله يلمس بنفسه، ومن الحقائق المادية كيف أمكن للمجتمع أن يحقق حياة عقائدية هانئة للمسلمين.
الصــلاة:
سبق أن أوضحت كيف تصدر المجالس الإسلامية سنوياً التقويم الهجرى بكافة الأيام ذات المناسبات الخاصة عند المسلمين، ويحوى هذا التقويم كذلك مواعيد الفجر والشروق والغروب ومواعيد الصلاة فى كافة أجزاء تلك البلاد المترامية الأطراف.
كما أن الجهد الذى بذلته الحكومة السوفيتية فور قيام الثورة فى إصلاح كل الآثار الإسلامية، وإعادة بناء المساجد والمدارس الدينية، وما قامت به المجالس الإسلامية لمختلف المناطق بعد ذلك من صيانة للمساجد وتوسيع للعديد منها، أدى إلى أن تتوفر فى جميع الأماكن وفى معظم المدن الكبرى بالاتحاد السوفييتى مساجد عديدة تتيح للمؤمنين أداء الفرائض فى كل الأوقات، هناك فى موسكو ولنينجراد وغيرها من سائر المدن الكبرى مساجد يقوم المسلمون السوفييت وكذلك زوار البلاد والمقيمين بها من المسلمين من بلاد أخرى بأداء الفرائض جنباً إلى جنب، أما حيث توجد التجمعات الإسلامية فتكثر المساجد وتتعدد إلى درجة أنه يوجد فى باكو عاصمة أذربيجان 24 مسجد كبيراً وأكثر من 100 جامع صغير نسبياً، ويوجد فى طشقند مقر المجلس الإسلامى لآسيا الوسطى 15 مسجداً كبيراً وحوالى ال 100 مسجد صغير كذلك، ويقوم عديد من المساجد مجاوراً لأضرحة الخالدين من السلف الصالح.
ويؤدى معظم العاملين فى المصانع الصلاة فى منازلهم وبين أولادهم قبل بداية الصلاة فى كل الأوقات وفى أى مسجد قريب، أو جماعة مع بعضهم فى موقع العمل، أما يوم الجمعة الذى يعتبر فى كل مكان إسلامى مناسبة لتلاقى المسلمين وتجمعهم فتكاد تزدحم المساجد جميعاً بروادها، وقد يثير فى أذن الغريب نوعاً من الشجن الدينى الأثير إلى النفس أن يستمع إلى المؤذن وهو ينادى إلى الصلاة بلغة عربية سليمة مكرراً والتكبير والشهادتين، ثم الإمام وهو يتلو أثناء الصلاة القرآن جهاراً بلغة عربية سليمة تعيد إلى قلبه ذات المشاعر التى يشعر بها فى أى بلد إسلامى آخر.
ومن عادة المسلمين فى الاتحاد السوفييتى، ووخاصة فى مناطق تجمعهم أن يخلدوا بعد صلاة الجمعة إلى اجتماع دينى مشترك يتولى فيه إمام المسجد مذاكرة إخوانه المؤمنين فى أحوالهم الدينية والرد على تساؤلاتهم، وفى أحوالهم المعيشية وظروفها، ويبلغهم الفتاوى والتفسيرات التى توجهها لهم المجالس الإسلامية، وتتم فى نفس الوقت بين الحين والآخر جمع التبرعات التى يعطيها المؤمنين طواعية وبكل الرغبة لإقامة وإصلاح وصيانة مساجدهم والإنفاق على كل مظاهر الحياة الدينية لهم، كما يحدث كثيراً أن يزورهم مندوبون عن المجالس الإسلامية يرسلون من قبلها للإطمئنان على سلامة أداء الشعائر وكفاءة العاملين فى إمامة الجماهير والدعوة للاسلام بينهم.
لقد ظل الخلاف الحاد بينهما قروناً عديدة شأنه فى الكثير من المناطق الإسلامية التى يتواجدون فيها سوياً، وقد حرصت الحكومة القيصرية وأتباعها من رجال الدين المسلمين فى تلك العصور على استمرار إذكاء روح العداوة والفرقة فيما بينهم، وقد هال ذلك الوضع عديداً من رجال الدين المخلصين، كما مثل مشكلة كبرى أمام هؤلاء منهم الذين كانوا يرون صلاح معيشة المسلمين جميعاً شيعة كانوا أو سنيين فى الخلاصة من سيطرة القيصرية، ولعلنا نذكر هنا صيحة أحدهم وهو المعلم والفيلسوف الأذربيجانى ميرزا فتالى أخوندوف الذى كتب يخاطب مسلمى القوقاز جميعاً حيث الانقسام كان أكبر ما يمكن يقول "إن المسلمين الذين يقطنون القوقاز ينقسمون إلى طائفتين، نصفهم من الشيعة، والنصف الآخر من السنيين، يكره الأولون الآخرين، كما يبادلهم هؤلاء كراهية بكراهية، إن التناقض والعدواة الحادة قائمة بين كل منهما، إنه لا يطيق أحدهما أن يستمع إلى الآخر، كيف يمكن إذن بحق القرآن أن تتحقق الوحدة بينهما" وكان يعنى تحقيق الوحدة حتى لا يكون ذلك الخلاف الشديد عقبة أمام نشوء وتعاظم الوعى الوطنى والطبقى ضد القيصرية، وقد عاوزن الثوريون الاشتراكيون العاملون فى تلك المناطق للتقليل من تلك الخلافات ومحاولة الوصول إلى حد أدنى من الانفاق فيما بين الطائفتين يتيح لهما أن تتحدا فى الكفاح ضد القيصرية.
ولقد تغير الوضع تماماً بعد الثورة وتحرر المسلمون جميعاً وإن كان ذلك قد استغرق بعض الوقت، وقد عبر عن ضرورة تغير الأوضاع بعد الثورة قول أحد قادة الشيعة هو المولى جواد زينالوف "إن سياسة دولتنا أن نجمع سوياً كل الشعوب بصرف النظر عن الأصل أو الدين، وعلينا إذن ألا نقسم الأذربيجانيين إلى طوائف من الشيعة والسنة".
لقد كان لكل طائفة فيما قبل الثورة مساجدها التى كان لا يمكن أن يغشاها أتباع الطائفة الآخرين باعتبار أن تلك أماكن "معادية"، وأن الفرائض لا تؤدى فيها حسبما يجب أن يكون، ولكنا نجد اليوم فى عديد من المدن والقرى نفس المسجد يستعمله الشيعة والسنيون وتتكون إداراته من ممثلين عن كل طائفة فى تعاون كامل دون تصادم، وإن اجتمعت كل منهما على حدة فللمسلمين "إمامهم" وللشيعة "الآخوند" الخاص بهم، ويؤى هذا الاقتراب -وإن كان قد بدأ على حذر- بين الطائفتين إلى اقتراب أكثر وأكثر، وليس غريباً الآن أن يلجأ الشيعة إلى إمام سنى أو العكس لأداء أى طقس من الطقوس الدينية، كأن يؤم "الإمام" مصلين من الشيعة، أو أن يؤم "الآخوند" مصلين من السنيين.
ونضيف فى هذا الأمر ما هو معروف لدى المسلمين جميعاً من طقوس يقوم بها الشيعة خلال شهر محرم باعتباره الشهر الذى قتل فيه الإمام الحسين، واعتباره شهر الأحزان، وما جرى التقليد بينهم على ممارسة التعذيب الذاتى تكفيراً عن قتله، لقد كان ذلك يمارس بين الشيعة من مسلمى الاتحاد السوفييتى شأن الشيعة فى كل مكان، وكثيراً ما كان يؤدى هذا التعذيب الذاتى إلى إصابات خطيرة بل وإلى الموت أحياناً، وقد تدارس المجلس الإسلامى للقوقاز هذا الوضع وانتهى إلى أنه ليس من العقل أو مما يفرضه الدين أن يصل المؤمنون فى إظهار حزنهم إلى الحد الذى قد يؤدى إلى الموت،وبدأ يباشر دعوته بين الشيعة على أساس تعاليم الدين والقرآن والحديث حتى نجح تماماً فى أن يقلع هؤلاء عن كل مظاهر التعذيب وإن بقيت كل مشاهد ممارسة الحزن على وفاة الإمام الحسين خلال شهر المحرم، واعتبر المجلس أن نجاحه قد تم حين وصل إلى أن يشارك أهل السنة إخوانهم بين الشيعة طقوسهم فى هذا الشأن.
تحفيظ القرآن:
تنتشر فى آسيا الوسطى منذ عصور سابقة عادة حفظ القرآن عن ظهر قلب، وتجويده كذلك، وقد سبق أن أشرنا إلى أن المفتى ضياء الدين خان قد حفظ القرآن ورتله كاملا وهو فى سن الثالثة عشرة، كما أن نائبة فى رياسة المجلس الإسلامى لمسلمى آسيا الوسطى وكازاخستان إسماعيل مخدوم ساتييف قد حفظ القرآن ورتله وفق كل قواعد التجويد بكل القراءات منذ سن مبكر.
وعدا مدارس إعداد رجال الدين ودورها فى تحفيظ القرآن بلغته الأصيلة، فان الأئمة والخطباء يقومون فى المساجد على تحفيظ القرآن لكل النشئ الذى يوجهه أهله من المسلمين إلى ذلك، ويعتبر حفظ القرآن وسيلة للنجاح فى التزكية وامتحانات المسابقة التى تعقد لقبول الشباب فى مدارس إعداد رجال الدين.
وكثيراً ما تعقد المسابقات بين حفظة القرآن فى ترتيله، ومن ينجح فى ذلك، وينال تقدير المحكمين يعطى لقب "قارئ" الذى يتيح لصاحبة مركزاً مرموقاً بين المسلمين.
ويشترك "القارئون" من آسيا الوسطى فى عديد من المسابقات العالمية لترتيل القرآن، وعندما عقدت مسابقة عالمية فى باكستان فى سنة 1968 بمناسبة الذكرى ال 1400 لنزول القرآن الكريم، شارك فيها هؤلاء، وحققوا فيها نجاحاً ملحوظاً إلى حد أن أحدهمم وهو "رحمة الله القارئ فاسيموف" حصل على أحد الجوائز العليا بين المرتلين من مختلف أرجاء العالم الإسلامى.
الصيام والزكاة وصلاة العيد:
إن لشهر رمضان المعظم مكانته بين مسلمى الإتحاد السوفييتى كما هو بين المسلمين فى العالم أجمع، ويبدأ الاستعداد لهذا الشهر الكريم من أول سابقة شهر شعبان حيث تعقد الندوات فى المساجد وتلقى المواعظ عن مغزى الصيام وحكمته وأصول أداء الفريضة.
وما أن يأتى رمضان حتى تبدأ كل العادات التى تكونت منذ مئات السنين فى الكشف عن نفسها، مما يعطى الشهر طابعه الخاص، فالأطفال يدورون على المنازل، يرددون الأغانى التقليدية تهنئ المسلمين بحلول شهر الصيام، داعية لهم بالصحة والسعادة وسائلة الله أن يهب صاحب المنزل ولداً سالحاً، وينالون كالمعتاد جزاءهم من صاحب البيت فى صورة حلوى وهدايا لكل منهم، أما الكبار فيؤمون المسجد بعد الإفطار ليؤدوا سوياً صلاة العشاء وصلاة "التراويح" ويجتمع فى المساجد الكبيرة قراء القرآن "قارئ" وحفظته "حافظ" ليرتلوا القرآن كله بعد التراويح على مدار الشهر، وتختلف عادة تلاوة القرآن من مسجد لآخر، ففى مساجد تلا شيخ، وراكات وخوجا ألمبادور فى طشقند يختم القرآن مرة كل عشرة أيام من القراء والحفظه، بينما يطول ختمه إلى الشهر كله فى مساجد الشيخ مصلح الدين فى ليتينجراد، وجامى فى دوثانب، ومخدوم ايشان فى نامانجان، أما فى شمال القوقاز فتتخذ تلاوة المصحف صورة أخرى إذ يتبادل المصلون قراءة سورة من كل منهم بعد صلاة التراويح وبمشاركة أكبر عدد منهم.
أما "الإفطار" فهو مناسبة اجتماعية حيث يتبادل المسلمون دعوة بعضهم البعض إليه طوال الشهر، كما يحرص الأبناء الذين يعيشون لسبب أو آخر متفرقين أن يتم اجتماع الأسرة كلها حول الوالدين لأكثر من إفطار خلال الشهر، وفى عديد من القرى قد يتفق السكان فيما بينهم بحيث يقدم كل منهم الإفطار للباقين مرة على الأقل خلال الشهر، ويعقب لقاءهم هذا صلاة الجماعة والتراويح سوياً ثم تلاوة القرآن أو الاستماع إليه من حفظته.
وتتباين الأوضاع كذلك بعض الشئ فى الاحتفال بليلة القدر، ففى الجزء الأوربى وسيبيريا وكازاخستان وبعض مناطق شمال القوقاز تحيى الليلة عادة فى المساجد حيث تلقى المواعظ، بينما يحييها التتار والأوزبك فى منازلهم حيث يتبادلون قراءة القرآن والصلاة والدعاء ابتغاه مرضاة الله وبركاته.
وما أن تحل ليلة عيد الفطر فى نهاية الشهر حتى يسبق الشيوخ الباقون ابتداء من منتصف الليل يقضونها فى المساجد، بينما تجد الأقل سناً فى الصباح الباكر وقد توجهوا فى جماعات تردد التكبير طوال الطريق، وعادة ما يؤم شيخ الإسلام وكا مفتى قومه فى أحد المساجد الكبيرة فى منطقته لصلاة العيد، وإذ تنتهى الصلاة، يتبادل المسلمون داخل المسجد التهنئة بالعيد، كما تقرأ عليهم التهانى التى وصلتهم تلغرافياً من المسلمين فى مساجد أخرى، ثم ينصرفون ليتجه العديد منهم لزيارة قبور موتاهم، والدعاء لهم ثم يعودون إلى بيوتهم يتبادلون الزيارات وتناول الحلوى، وكثيراً ما يجتمع المجموعات منهم لغذاء مشترك فى بيت أحدهم، بينما تكون الساحات حول المساجد قد تحولت إلى سوق صغير من الحوانيت العديدة التى تبيع الحلوى الشرقية، واللعب المحلية، وعديد من الأشياء الصغيرة التى يعتز بشرائها الشباب والأطفال فى مناسبة العيد، هذا وتستمر احتفالات الأعياد سواء كان عيد الفطر أم عيد الأضحى لمدة ثلاثة أيام.
وفى مناسبة عيد الأضحى الذى ينتشر فيه بين المسلمين القادرين تقديم الأضاحى قرباناً إلى الله تعالى، وتقليداً منذ ألهم الله سبحانه وتعالى سيدنا إبراهيم أن يفدى إبنه بكبش كبير، فأنك تجد المسلمين فى آسيا الوسطى وقد تجمع كل من يشاء منهم ومعه الفداء التى اعتزم التضحية به فى الساحة أمام المسجد، لتذبح الضحية ويوزع لحمها على الحاضرين.
أما الزكاة فقد تم لها قدر من التطوير بعد الثورة الاشتراكية لا نظن إلا أن المسلمين فى كل بقاع الأرض سوف يرضون عنه ويقبلونه، لما يحويه التطوير الذى حدث من ملاءمة بين تعاليم الدين والظروف التى صار يعيشها المؤمنون، فالمعروف أنه على كل مسلم مؤمن أن يقدم زكاة عنه وعن ماله وعن كل فرد يعوله، وعلى أن تقدم هذه الزكاة إلى مستحقيها من الفقراء فى أى وقت من رمضان المعظم حتى قبل صلاة العيد ليشعر المسلمون جميعاً أن العيد قد أقبل وكلهم يرفلون فى حلل السرور، وحتى لا تطلع شمس العيد إلا والجميع فى رضى برحمة الله عليهم، وبعد الثورة الاشتراكية، واستمرار التوسع فى اقتصاد البلاد، واضطراد التزايد فى انتاجية العمل صار يتحسن عاماً بعد عام مستوى معيشة جماهير المسلمين شأنهم شأن باقى جماهير الاتحاد السوفييتى كافة، ولأن الدولة قد أخذت على عاتقها وحققت بالفعل فرصة العمل للجميع، وانتشرت الكفالة الاجتماعية للعجزة والمسنين، وتحملت الدولة علاج المرضى فى كل الأحوال وتحت أى الظروف، فقد نشأ عن هذا وضع جديد بانعدام السائل والمحروم والجائع والفقير، تلك الطوائف التى أوجب الإسلام الزكاة عطفاً عليهم ومشاركة من إخوانهم القادرين فى محنتهم، وعوناً لهم على الخروج منها، وعندما وصلت الأمور إلى هذا الحد دارت المناقشات بين المسلمين عمن يمكن أن تعطى لهم الزكاة، وتحاجوا فى الأمر كثيراً، وقصدت المدارس الإسلامية للتدارس ورأت فى نهاية الأمر أن إعطاء زكاة من الأفراد لبعضهم البعض تحت ظل هذه الظروف يمكن أن يؤدى بين المترددين وضعاف النفوس -وهم موجودون فى كل مجتمع وعصر- إلى استمراء حياة طفيلية غير منتجة يعيشون فيها على حساب صدقات الآخرين، ومن ثم كانت فتوى المراكز الإسلامية بألا توزع الصدقات بصورة فردية، بل أن توجه لصندوق المال لجمعيات المسلمين التى تقرر هى أوجه إنفاق حصيلته سواء كان ذلك فى صيانة المساجد، أو فى تدريب رجال الدين، أو لتدعيم الصلات بين المسلمين وإخوانهم فى باق بلاد العالم، أو تمويل بعثات الحج إلى الأماكن المقدسة، أو نشر المطبوعات الدينية، أو فى النهاية فى مساعدة إخوانهم المسلمين فى بلاد أخرى.
الحج وأمور أخرى:
قد يوضح ما سبق كيف أن المسلمين فى تلك البلاد يمارسون نفس الحياة الدينية بكل ظواهرها ومباهجهها التى يمارسها إخوانهم المسلمون فى العديد من بقاع الأرض، ولا تختلف الظواهر المرتبطة بالحج عن باقى الظواهر من حيث استقبال العائدين من زيارة الأراضى المقدسة بكل مظاهر الفرح والسرور بحيث تتوالى فى ليال متتالية وفود القادمين للتهنئة يسمرون ليلهم سوياً فى الاستماع إلى ما ينقله الحاج العائد إليهم من تفاصيل الرحلة المقدسة، واللقاء مع إخوانه المسلمين، ووصفاً لمكة والمدينة ولباقى البلاد الإسلامية التى يكون قد زارها فى ذهابه أو عودته، ومازالت التقاليد بينهم تحرص على أن يعود الحاج بعدد من الهدايا للأهل والأقارب، وأهم ما يعتزون به وما جرى العرف عليه هو أن يهدى كل منهم قطرات من ماء زمزم، وقد يأتى أحدهم بسجادة عليها رسم مكة والمدينة لتعلق فى المسجد المحلى وهكذا.
وتحتل ليلة المولد النبوى منزلاً خاصاً من نفوس المسلمين ولهم فيها تقاليدهم التى توارثوها على مدى السنين، فهم فى تلك الليلة عادة ما يجتمعون فى المساجد الكبرى حيث يستمعون لمقتطفات من سيرة الرسول، وبضع سور من القرآن، ويحرص المسلمون فى آسيا الوسطى على العودة إلى ديارهم ليحيوا بقية الليلة فى حفل عائلى يستضيفون فيه جيرانهم والقراء وحفظة القرآن والعلماء والخطباء، ويشتركون جميعاً فى قراءة بعض سور القرآن والاستماع بالذات إلى أجزاء من كتاب "الجامع الصاحب" الذى جمعه إسماعيل البخارى.
هذا وقد تعرض المسلمون فى الاتحاد السوفييتى لكثير من التشهير المقصود من الدوائر الامبريالية فى مسائل الزواج، فقد أعطى طابع الدولة العلمانى واعتمادها فى الأمور الرسمية على الزواج المدنى إلى أن يشيع الاستعمار العديد من القصص والخيالات فى هذا الأمر، ولكن واقع الحال ينبئ عن أن المجالس الإسلامية تنتدب فى كل مدينة وقرية كبيرة تسمية "قاضياً" قاضى من المتفقهين فى أمور الدين، يمارس عقد الزواج تبعاً لأصول الشريعة بين المؤمنين، ولذلك فأنك تجد جميع المسلمين عند زواجهم يذهبون إلى الإدارة المدينة حيث يسجل العرسان أنفسهم كزوجين، ثم بعد ذلك أو قبله يقيمون احتفالاتهم حسب تقاليدهم حيث يتوج الزواج بعده شرعاً حسب الشريعة والسنة فى حضور القاضى الإمام والخطيب وسائر الأهل والمحبين، هذا ويحرم قانون الدولة تعدد الزوجات تحت أى ظروف، ولكن للزوج أن يطلق زوجته الأولى فى حالة المرض أو العقم، وفى هذه الحالة لا تدفع أى رسوم بينما يلزم الراغب أو الراغبة فى الطلاق بالرسوم فى غير ذلك من الحالات، وحكمة فرض الرسوم على راغب الطلاق مثل عديد آخر من الإجراءات إنما يكون الهدف منها وضع عدد من المعوقات أمام المطلق حتى يراجع نفسه عند كل عقبة فلعل الصالح يكون مستطاعاً لعل المؤمن يعود عما يصف عند الرسول بأنه أبغض الحلال.
***
تلك مشاهد من حياة المسلمين فى الاتحاد السوفييتى سواء فى تنظيمهم الدينى أو علاقتهم بالدولة أو فى ممارستهم للفرائض والعبادات، ربما وجد المؤمن فيها ما يطئمنه على أحوال إخوان له فى العقيدة، وعلى أن الاسلام بخير طالما كان له أئمة يدافعون عنه، ويجعلون منه دعوة إلى الحق، وما كان يمكن لمسلمين فى ظل الاشتراكية أن يكونوا فى غير هذا الحال، فما دعوة الإسلام -كذلك كل الأديان- إلا السعى إلى أن يعيش المؤمنون إخوة متساندين تنتشر بينهم المحبة ويبتعد عنهم الفرق والجهل والمرض، وأن يكونوا لبعضهم كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً، وذلك كله ما تدعو إليه الاشتراكية وتعمل على إحلاله فى حياة الناس محل كل مظاهر الاستغلال والقهر والاستعباد التى يمارسها كل من الاستعمار والرجعية والرأسمالية.
****
خاتمـــــة
لعل أفضل ما نختم به هذا الحديث الذى ما أردنا به إلا تدارس أحوال المسلمين فى بلاد كثر عنها اللغط، وتعقيباً على ما دأبت الدوائر الاستعمارية من ترديده من أن نستنير بقوله تعالى:
"يا أيها الذين آمنوا، إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.